Tuesday, May 20, 2008
الصحافة المصرية....إلى أين؟
عاطف السعداوي، مدير تحرير مجلة الديمقراطية الصادرة عن صحيفة الأهرام المصرية، يناقش دور الصحافة المصرية في الماضي والحاضر وإلى أين تتجه بعد 27 سنة من العمل في ظل قوانين الطوارىء
تلعب الصحافة دورا مهما في تشكيل وتوجيه الرأي العام ومن ثم التحكم في قناعات الشعوب وردود أفعالها تجاه الأحداث. وقديما قال فولتير( الصحافة تعمل على هدم العالم القديم حتى يتسنى لها أن تنشىء عالما جديدا)، ورأينا قادة ادركوا خطورة الصحافة وسجل لهم التاريخ مقولة أحد رؤساء فنزويلا السابقين (أنا لا اخاف بوابة جهنم اذا فتحت في وجهي، ولكني ارتعش من صرير قلم محرر صحيفة).
وبالنسبة لمصر لم تعد الصحافة مجرد مرآة عاكسة لتطورات المجتمع المصري كما هو الحال في العديد من الدول، لكنها أضحت جزءا أصيلا من دعوات الإصلاح السياسي التي تصاعدت في الآونة الأخيرة وأداة من أدوات الحراك السياسي والاجتماعي الذي يشهده المجتمع المصري حاليا، وبات الصحفي المصري -في بعض الصحف الخاصة بالطبع- يتولى صناعة الحدث بدلا من أن يكون مجرد ناقل له، وعلى العكس من ذلك أصبح الصحفي المصري في الصحف الحكومية مدافعا عن أكثر سياسات الحكومة قمعا وتسلطا حتى ولو بدا في باطنه غير مقتنع بتلك السياسات أو حتى بدت تلك السياسات غير قابلة -بحكم المنطق- للدفاع عنها، وهو ما يعكس حقيقة أن الصحافة المصرية أصبحت في قلب الجدل السياسي في مصر، وربما أصبحت واحدة من أدواته.
ولعل هذا يعكس إشكالية أخرى، وهي في هذه المرة إشكالية تعريفية تتعلق بأنه لا يمكن الحديث عن صحافة واحدة في مصر، وإنما عن صحافتين مختلفتين: أحداهما حكومية والأخرى خاصة، لكل منهما عالم مختلف... سواء من حيث النشأة أو التطور أو الاهتمام أو درجة التأثير أو المصداقية أو الشعبية أو الموقف السياسي...الخوالواقع أن الصحافة المصرية لم تعرف هذه التفرقة بين الصحافة الحكومية والصحافة الخاصة قبل يوليو 1952، فقبل هذا التاريخ كانت ملكية الصحف كلها للأفراد ولم تكن للدولة سيطرة مالية أو إدارية على الصحف كما هو الوضع الآن ، أما بعد ثورة يوليو فلم تعرف الصحافة المصرية الكثير من الاختلاف أو التباعد عن السلطة الحاكمة بل إن الصحافة كانت أهم وسائل الدولة لتنفيذ برامجها السياسية والأيديولوجية، لكن فترة السبعينيات من القرن الماضي شهدت تغييرات جوهرية في السياسة المصرية سمحت وإن بشكل محدود ومبرمج بتعددية حزبية وإصدار صحف حزبية أو مستقلة لأول مرة منذ الثورة، وظلت هذه الصحف تسعى باتجاه منحها حريات حقيقية تتناسب ودور مصر وكذلك ريادتها الصحفية في المنطقة، غير أن هذه المساعي لم تصل إلى نتائج حاسمة لاسيما بعد إصدار قانون الطوارئ إثر اغتيال الرئيس السادات عام 1981 واستمراره حتى يومنا هذا .
عطل قانون الطوارئ الحياة السياسية والصحفية في مصر أو أعاق تطورها على الأقل، وفي ميدان الصحافة أتاح هذا الوضع للسلطة تشريع العديد من القوانين أو تعديل أخرى لغرض السيطرة على مضامين وسائل الإعلام والتحكم في آليات إصدار الصحف وملكيتها، وفي الوقت نفسه إعطاء هامش محدود من حرية الرأي حيث "مازالت هناك قيود وحواجز وحدود لا يمكن تخطيها في العمل الصحفي بمصر" ، لكن السلطة ربما اعتقدت أن هذا الهامش يمكنه امتصاص زخم المطالبين بالحرية ولو لبعض الوقت.
وربما تكون التشريعات الإعلامية المقيدة للحريات أبرز ما يجب تغييره، وهنا لا يتوقف الأمر على مضامين القوانين بل إنه يبدأ بالتشظي الواسع لهذه القوانين، حيث تتوزع النصوص التي تتعامل مع قضايا النشر وإصدار الصحف على: قانون المطبوعات، قانون العقوبات، قانون تنظيم الصحافة، قانون وثائق الدولة، قانون العاملين المدنيين، حظر أخبار الجيش والأحكام العسكرية، قانون الأحزاب وقانون المخابرات، وقد عمل هذا التشظي على توسيع دائرة القيود التي تحاصر الصحفيين من كل جانب. وفي داخل هذه القوانين التي تخالف عشر مواد منها على الأقل الدستور المصري يتشكل نمط من السيطرة المحكمة على مضامين الصحف يتيح للدولة غض الطرف إن شاءت عن الكتابات التي تحمل آراء ناقدة أو التدخل بحزم يصل إلى حبس الصحفيين لمدد غير قصيرة وفرض غرامات باهظة قد تؤدي إلى إجبار بعض الصحف الصغيرة على التوقف وتمنع الصحفيين لاسيما الشباب منهم من التطرق إلى ما يمكن أن يزعج السلطات.كما تسيطر الدولة في مصر على كم ونوع الصحف من خلال التعقيدات البيروقراطية الشديدة التي تفرضها القوانين الحالية على آليات إصدارها برغم أن الدستور يتيح للأفراد والأحزاب ذلك، وقد اعتبر الصحفيون المصريون في مؤتمرهم العام الرابع في 2004 أن من بين أهم شروط الإصلاح السياسي والإعلامي التأكيد على حق إصدار وتملك الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية وتشجيع الصحافة الإلكترونية واحترام حقها في الوصول إلى قارئها. ويقتضي الحصول على رخصة لإصدار صحيفة في مصر موافقة العديد من الجهات مثل المجلس الأعلى للصحافة وهو هيئة حكومية والأجهزة الأمنية المختلفة وأخيرا مجلس الوزراء ومثل هذه الموافقات تعد أمرا صعبا ومعقدا، فضلا عن ارتباط الموافقات بدفع مبالغ كبيرة تصل إلى مليون جنيه للصحف اليومية ونصف مليون للأسبوعية، ولذلك يفضل الناشرون طريقة أخرى هي إصدار الصحيفة بتصريح من خارج مصر (من قبرص بشكل خاص) لكن الكادر والمقر والتوزيع والجمهور والموضوعات كلها مصرية وبذلك يتخلص الناشرون من القيود القانونية والمالية، لكن ضريبة ذلك تكون الخضوع لقانون التعامل مع الصحف الأجنبية التي تتيح للسلطات المصرية مصادرة العدد قبل توزيعه أو منعها من التوزيع تماما وهو ما يعني الحكم عليها بالإغلاق. وبطبيعة الحال فإن مثل هذا الأسلوب سيوحي بوجود فرص للتعددية الصحفية لكنه يمنح السلطات المصرية في الوقت ذاته حق الرقابة القبلية الذي عفا عليه الزمن بذريعة التعامل مع صحافة أجنبية.
إلى جانب كل هذه العوائق القانونية والإدارية والأمنية التي تعترض حرية العمل الصحفي في مصر فإن السلطات أضافت إليه قيودا أخرى تتعلق بحرية تدفق المعلومات ووصولها إلى الصحفيين، وبرغم أن الصحفيين المصريين نجحوا بعد سنتين من الاحتجاجات في إلغاء ما يعرف بالقانون 93 لسنة 1995 الذي قضى بحبس الصحفي الذي ينشر وثائق وكذلك الموظف الذي زوده بها، برغم إلغاء هذا القانون فان تعقيدات إدارية مقصودة تقف في وجه حصول الصحفيين على المعلومات من مصادرها الرسمية وهو ما يعيق عمل الصحافة ورسالتها من جانب ويقود إلى إيقاع بعض الصحفيين في فخ المعلومات الخاطئة التي تقودهم إلى الحبس أو الغرامات العالية من جانب آخر. وفي تقريرها السنوي لعام 2003 تصف المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن القوانين الخاصة بالصحافة والنشر تتسم بالغلظة والغموض وترى أن هذه القوانين قيد رئيسي على ممارسة الحق في إبداء الرأي والتعبير، وهي - أي القوانين- سمحت للحكومة المصرية بإغلاق عدد من الصحف مثل صحيفتي الدستور والشعب، ووضع عدد كبير من الصحفيين في السجن بتهم مختلفة أبرزها القذف والسب التي يرى المطالبون بالإصلاح أن قوانين الطوارئ المصرية تعمدت أن تخلط بينها وبين حق النقد للمؤسسات أو الشخصيات الرسمية والعامة، وبالطبع فالأمثلة على ذلك كثيرة لكن آخرها كان سلسلة من الأحكام على الصحفيين بالسجن والغرامات بدءا من الحكم على الصحافية بمحطة الجزيرة هويدا طه في مايو 2007 بالحبس ستة أشهر وغرامة عشرين ألف جنيه بتهمة " الإضرار بالمصالح القومية والإساءة إلى سمعة البلاد" إثر إعدادها تحقيقاً حول التعذيب الذي يتعرّض له الأسرى في السجون المصرية " ، وانتهاء بحكم في 13 سبتمبر 2007على أربعة رؤساء تحرير : " الدستور " ، و" صوت الأمة " و" الكرامة " و" الفجر " بالسجن مع الشغل لمدة عام مع تغريم كل منهم عشرين ألف جنيه ، وإحالة إبراهيم عيسى إلي محكمة أمن الدولة العليا - طوارئ بعد أن أصبح قلمه يشكل تهديدا للأمن القومي ! وقبل أن ينتهي عام 2007 صدر حكم آخر على رئيس تحرير صحيفة الوفد، ومراسل لها بالسجن لمدة شهر. وتدهورت الأمور إلي حد صدور فتوى بوجوب جلد الصحفيين بين حين وآخر! التهمة في كل الحالات واحدة بصيغ مختلفة: الإضرار بالمصالح العليا، نشر أخبار كاذبة، الإساءة لرئيس الدولة، وما شابه.
صحافة المعارضة إذن هي المسئول الأول عن تهديد المصالح القومية. فهل هذه الصحافة هي التي ساقت تسعة ملايين مصري إلي البطالة ؟ أم أنها هي التي جعلت 35 % من سكان مصر يعيشون في عشوائيات ؟ أم أن مقالات إبراهيم عيسى وعبد الحليم قنديل وعادل حمودة وأنور الهواري هي التي دفعت بأربعة ملايين أسرة إلي تفضيل الحياة بدون مأوى؟ ثم هل المقالات تلك التي أدت إلي تفشي الأمية في 18 مليون مصري؟ وهل الصحف المعارضة هي السبب في الغلاء وتدهور مستوى التعليم وانحدار الأوضاع الثقافية وانتشار الرشوة بين كبار المسئولين!!!!!
مجلة الأهرام الديمقراطية المصرية دورية سياسية تصدر كل 3 أشهر عن مؤسسة الأهرام منذ سنة 2001.