Tuesday, May 20, 2008
انتخابات 2005 وبناء الجمهورية الثانية
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/A2031BD7-6309-43FB-A6C2-AEA4F9A192CF.htm
عاطف السعداوي الانتخابات ودلالات التحول الديمقراطي تعتبر الانتخابات من أهم المؤشرات الدالة على عمليات التحول إلى الديمقراطية, بل هي التعبير الرمزي الأهم عن ديمقراطية مجتمع ما وعن مدى نضج ثقافته السياسية, و بقدر نزاهة وتنافسية الانتخابات العامة بقدر ما تكون مصداقية عملية التحول إلى الديمقراطية, على اعتبار أن الانتخابات الحرة المباشرة التنافسية والنزيهة هي الوسيلة الأمثل لإعطاء رجل الشارع العادي حقه الأصيل في تحريك القرار السياسي وبالتالي إعطاءه دورا في صناعة تاريخه. وهذه الفكرة أو القناعة هي التي جعلت معظم المقولات التاريخية الخالدة التي نادت بالديمقراطية تختزلها في البعد الانتخابي, كمقولة "صوت واحد للشخص الواحد " أو مقولة "لا تمثيل بدون ضرائب" وهذه المقولات وغيرها تعتبر هي الخلاصات المجردة التي تعبر عن هذه القناعة. ولعل المراقب للمشهد السياسي المصري في الآونة الأخيرة يلمس مدى مصداقية هذه الفكرة واحتلالها لحيز واسع من فضاء الجدل السياسي في مصر، منذ القرار المفاجئ للرئيس مبارك في السادس والعشرين من فبراير/شباط الماضي، بطلب تعديل المادة 76 من الدستور والخاصة بطريقة اختيار رئيس الجمهورية، ليكون بالانتخاب العام المباشر بين أكثر من مرشح بدلا من طريقة الاستفتاء على شخص مرشح واحد, حيث أطلق هذا القرار قوى المجتمع المدني وحركات الرفض الاجتماعي من عقالها وحررها –ولو جزئيا –من جمودها الذي ظلت أسيرة له لفترة طويلة لافتقادها أي أمل بالإصلاح في ظل وجود نخبة الحكم الراهنة. ولكن ما إن بدا أن هناك ضوءا خافتا في نهاية النفق المعتم حتى تحركت التفاعلات السياسية والحزبية خالقة معها مناخا سياسيا جديدا يمتاز بعمليات كثيرة للتفاوض والمساومة والجدل السياسي بين فريقين أولهما يري أن هذه الخطوة هي نهاية الطريق وأنها "منتهى المراد من رب العباد" وأنها منحة من الحاكم تفضل بها على شعبه ولا يجوز معها سوى تقديم فروض الشكر والعرفان, بل حاول هذا الفريق تفريغ هذه الخطوة من مضمونها التنافسي والتعددي عبر المغالاة في اقتراح ضوابط معينة للترشيح لهذا المنصب, أو عبر اقتراح لجنة عليا شبه حكومية للإشراف على الانتخابات، وينحدر معظم هذا الفريق من الدوائر السياسية والفكرية المرتبطة بنخبة الحكم والحزب الوطني. وفريق ثان تمثله قوى وأحزاب المعارضة وحركات الرفض الاجتماعي والسياسي مدعوما بتأييد قطاعات جماهيرية واسعة، ويرى أن التحرك نحو تغيير طريقة اختيار رئيس الجمهورية وإن كان مطلوبا إلا أنه لا يزال تحركا محدودا وجزئيا, كما لم تخف على هذا الفريق الدوافع الكامنة وراء هذا التحرك وعلي رأسها الضغوط الخارجية القوية التي تعرض لها النظام, بما كشف في النهاية عن لحظة ضعف يمر بها النظام وكان لا بد من استغلالها, ومن هنا وجد هذا الفريق الفرصة سانحة لممارسة مزيد من الضغوط للحصول على مزيد من التنازلات في "الشأن الإصلاحي". وأيا كان الفريق المنتصر في النهاية فإن الحقيقة الوحيدة المؤكدة حتى الآن هي أن عجلة التغيير قد تحركت -وإن ببطء- ولن يستطيع أحد أن يوقفها, حتى لو ظلت بيروقراطية الدولة الأمنية وأدواتها القمعية هي المتحكمة في وتيرة التفاعل السياسي وفي معدل دوران عجلة التغيير, ففي لحظة معينة وعندما تكون الرغبة الشعبية في التغيير حقيقية وصادقة فلن تفلح الوسائل الأمنية في منعه, مهما أفرطت في استخدام القوة, لأن التغيير في هذه الحالة سيكون نابعا من إرادة الشعب وستكون الرغبة في الفعل المؤدي للتغير أقوي بكثير من القابلية للخوف أو إيثار السلامة, ولعل ما حدث في دول مثل قرقيزيا وإكوادور ومن قبلهما أوكرانيا وجورجيا خير دليل على ذلك. "المأمول من انتخابات 2005 أن تمثل نقطة بداية مثالية لعهد مصري جديد, أو ربما "جمهورية جديدة" قائمة على شرعية الديمقراطية بعد أن تم الانقلاب على شرعية المشروع القومي وانقضاء عهد شرعية الحرب وعدم إثبات شرعية الإنجاز قدرتها على تعبئة الجماهير "ومن هنا تكتسب الانتخابات المقبلة سواء الرئاسية أو التشريعية أهمية غير مسبوقة في تاريخ الحياة السياسية المعاصرة باعتبارها الأولى في هذا المناخ السياسي الجديد, كما أنها ستمثل أول اختبار جدي لمدي صدقية هذا المناخ أو زيفه, فالكل في انتظار ما سيسفر عنه هذا "المخاض الديمقراطي", هل سيسفر عن فأر صغير كما تعودنا, أم سيتمخض عن "صيد ثمين" كما نأمل؟ ولكن في كل الأحوال ستشهد الانتخابات القادمة ظاهرة جديدة وصحية، ألا وهي عودة السياسة إلى الحياة المصرية وفي القلب منها العملية الانتخابية, بعد عقود طويلة من نزع السياسة عن كافة التفاعلات المرتبطة بالعملية السياسية, بما جعل استبعاد الشارع السياسي حقيقة واقعة من حقائق السياسة المصرية المعاصرة. ففي كل الانتخابات السابقة كانت جميع الظواهر موجودة إلا السياسية: ظاهرة العنف والبلطجة التي راح ضحيتها العشرات, ظاهرة الرشاوى الانتخابية وشراء الأصوات, ظاهرة الانتماءات الأسرية والعشائرية المقيتة, ظاهرة غياب الأحزاب, ظاهرة ضعف المشاركة السياسية التى لم تتجاوز في أي من الانتخابات التي عرفتها مصر منذ التعددية نسبة الـ 50% (كانت في الانتخابات الأخيرة 25.2%) وتوج كل هذا بظاهرة التزوير واسع النطاق لإرادة الناخبين على الرغم من الإشراف القضائي المزعوم. وحدها ظلت السياسة بعيدة عن تلك الأجواء, بما جعل الانتخابات في نظر الكثيرين مجرد لعبة مفضوحة لا طائل من ورائها, وأشبه بالموالد الشعبية من حيث أن لها طابع الموسمية والظرفية دون أن تكون تقليدا سياسيا واعيا له تداعياته علي المسار التاريخي للأمة المصرية, أما الآن فيبدو أن السياسة مرشحة لكي تعود بقوة مع الانتخابات القادمة. والواقع أن المأمول من تلك الانتخابات يمكن أن يتجاوز ظاهرة عودة السياسة للعملية الانتخابية, حيث يمكن أن تمثل تلك الانتخابات نقطة بداية مثالية لعهد مصري جديد, أو ربما "جمهورية جديدة" قائمة على شرعية الديمقراطية بعد أن تم الانقلاب على شرعية المشروع القومي وانقضاء عهد شرعية الحرب وعدم إثبات شرعية الإنجاز قدرتها على تعبئة الجماهير, إذن ... تبقي فقط شرعية الديمقراطية التي يمكن أن تمثل الانتخابات المقبلة مدخلا لها لو أخذت فقط بأسباب النجاح، وهي أسباب لا أراها مستحيلة، بل لا تكاد تكون صعبة، كل ما في الأمر أنها أسباب تحتاج لتوفيرها إرادة ونية خالصة من جانب نخبة الحكم، يقابلها رغبة حقيقة وصادقة للتغيير من جانب الجماهير والقوى المعبرة عنها. وهذه الرغبة الصادقة وتلك النية الخالصة للتغيير يجب أن تترجم إلى مجموعة من الإجراءات والآليات التي يجب على نخبة الحكم اتخاذها، كما يجب على منظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة وقوى الرفض السياسي والاجتماعي التحالف و"الجهاد" للضغط في اتجاه تحقيقها باعتبارها الأسباب التي لاغني عنها, ليس فقط لنجاح الانتخابات المقبلة ولكن لدخول عصر الديمقراطية ومن أهمها: إعادة التوازن المفقود بين السلطات الثلاثفبدون اتخاذ خطوات جادة نحو إعادة التوازن بين السلطات الثلاث في مصر ستفتقد أي خطوات إصلاحية قيمتها, بل ربما تفقد العملية الانتخابية برمتها قيمتها, فخطوة تغيير طريقة اختيار رئيس الجمهورية رغم أهميتها فإنها تبدو قاصرة وعاجزة عن إحداث تغيير جذري في هيكل النظام الدستوري المصمم أساسا ليجعل رئيس الجمهورية محور النظام السياسي, وبالتالي فإن المشكلة تكمن أساسا في كمية وطبيعة الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية. "لابد من إعادة النظر في المواد المتعلقة بسلطات رئيس الجمهورية بما يضمن إعادة هيكلة السلطة في مصر لتقليص سلطات الرئيس وتحقيق مبدأ التوازن بين السلطات الثلاث "فمن بين 55 مادة في الدستور المصري تتضمن صلاحيات أو سلطات اختص رئيس الجمهورية بحوالي 35 صلاحية بما نسبته 63% من إجمالي السلطات والصلاحيات, بينما ترك للسلطة التشريعية بمجلسيها 14 صلاحية فقط بنسبة 25%, دون إغفال سيطرة رئيس الجمهورية واقعيا من خلال موقعيه الرئاسي والحزبي على السلطة التشريعية, وهو ما يعني سيطرة رئيس الجمهورية عمليا على 88% من إجمالي السلطات التي ينظمها الدستور. وبالتالي لابد من إعادة النظر في المواد المتعلقة بسلطات رئيس الجمهورية بما يضمن إعادة هيكلة السلطة في مصر لتقليص سلطات رئيس الجمهورية وتحقيق مبدأ التوازن بين السلطات الثلاث, مع هيمنة نسبية للسلطة التشريعية علي السلطة التنفيذية لتراقب أداءها وتحاسبها, مع صياغة قانون جديد للسلطة القضائية يضمن الاستقلال التام لها ماليا وإداريا, بعيدا عن التدخل المباشر في شؤونها من قبل السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية ووزير العدل. كما أنه يجب إعادة النظر في طريقة توزيع صلاحيات السلطة التنفيذية بحيث توزع بأوزان نسبية بين رئيس الجمهورية ونائبه المنتخب ومجلس الوزراء، علي أن تضمن في الدستور صلاحيات كل منهم بشكل واضح لا يسمح بتعدي أي منهم على اختصاصات الآخر. أخيرا يجب تعديل المادة 77 من الدستور بحيث تنص على ألا تزيد ولاية رئيس الجمهورية عن مدتين فقط, لأنه لا فائدة مرجوة من رئيس منتخب ولكنه مطلق الصلاحيات وباق بحكم الأمر الواقع إلي أن يشاء الله. صياغة ميثاق شرف بين الأحزاب السياسية"كما سخر التلفزيون ساعات طويلة وأفردت كل الصحف القومية صفحاتها لأحد المرشحين لانتخابات الرئاسة ليقول "كلمته للتاريخ" يجب أن تتاح نفس الفرصة لبقية المرشحين سواء أراد أحدهم أن يقول كلمته "للتاريخ" أو يقولها "للمستقبل""بحيث يتضمن مجموعة من المعايير والضوابط التي يجب الالتزام بها أثناء سير الانتخابات سواء الرئاسية أو التشريعية أو المحلية, ويجب أن يكون هذا الميثاق ملزما لجميع الأحزاب وليس مجرد وسيلة خداع جديدة يتبعها الحزب الوطني لإحكام سيطرته على مدخلات ومخرجات العملية الانتخابية, ومن هنا فإن أول ما يجب أن ينص عليه هذا الميثاق ضرورة الحياد الكامل لكافة أجهزة الدولة الإدارية والتنفيذية وموظفيها، وعدم تسخيرهم لخدمة لمرشحي الحزب الوطني وحده كما اعتيد في الانتخابات السابقة, أيضا يجب أن تكون وسائل الإعلام المملوكة للدولة متاحة أمام مرشحي كل القوى السياسية بشكل متساو وليست مجرد بوق للدعاية للحزب الوطني وحده. فمثلا كما سخر التلفزيون ساعات طويلة وأفردت كل الصحف القومية صفحاتها لأحد المرشحين لانتخابات الرئاسة ليقول "كلمته للتاريخ" يجب أن تتاح نفس الفرصة لبقية المرشحين سواء أراد أحدهم أن يقول كلمته "للتاريخ" أو يقولها " للمستقبل"!. ومن أهم ما يجب أن ينص عليه هذا الميثاق أيضا ضرورة احترام الأحزاب –والحزب الوطني بالتحديد- لرغبات الناخبين حتى النهاية, بما يعني ضرورة احتفاظ المرشح بصفته السياسية التي دخل بها الانتخابات حتى نهاية الفصل التشريعي, بحيث لا تكرر مأساة انتخابات مجلس الشعب عام 2000 عندما لجأ الحزب الوطني إلي ضم معظم المستقلين إليه تحت سلاح الترهيب والترغيب بعد أن حصل مرشحوه علي 174 مقعدا بنسبة 39% فقط من عدد مقاعد المجلس وهي نسبة لا توفر له أغلبية ولو بسيطة, فكان أن ارتفع عدد أعضائه بقدرة قادر إلي 385 عضوا بنسبة 85% ضمن بها السيطرة الكاملة والمعتادة على مجلس الشعب في استهتار واضح بإرادة الناخبين. كما يجب على كل حزب أن يستبق الانتخابات القادمة ويعقد مؤتمره العام لمراجعة لوائحه الداخلية لتغيير طريقة اختيار كافة مستوياته القيادية، لتكون بالانتخاب ولفترة محددة باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد لخلق قيادات حزبية قادرة على الوصول إلي الجماهير، سواء في انتخابات تشريعية أو رئاسية أو محلية أو نقابية أو غيرها. وأخيرا يجب أن يتضمن هذا الميثاق أمورا إجرائية من قبيل رفض التمويل الخارجي، ووضع سقف مالي معين للدعاية الانتخابية، وضرورة عدم استغلال المرشح لموقعه السياسي أو التنفيذي أثناء الانتخابات...إلخ. الإشراف القضائي الكامل على كافة الانتخابات وهنا يجب ألا يكون القضاء مجرد غطاء لتزوير الانتخابات وأداة لإضفاء شرعية وهمية عليها كما جري سابقا, وباعتراف القضاة أنفسهم أمام جمعيتهم العمومية بالإسكندرية مطلع أبريل/نيسان الماضي, وهذا ما يفترض أن يصر القضاة على موقفهم التاريخي والمشرف الرافض لتدخل السلطة التنفيذية في شؤونهم، والمطالب باستقلال تام عبر قانون جديد أعده القضاة أنفسهم. على أن يجري بعد ذلك تشكيل هيئة دائمة للانتخابات ذات مقر مستقل وميزانية سنوية مستقلة ومقومات مادية كاملة, ويمكن أن تشكل من رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا وعضوية رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس الدولة ورئيس نادي القضاة وعدد معين من رؤساء محاكم الاستئناف تختارهم الجمعية العمومية لنادي القضاة, علي أن تنقل تبعية الإدارة العامة للانتخابات من وزارة الداخلية إلي تلك الهيئة وتؤول إليها كل اختصاصات وزير الداخلية المنصوص عليها في قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانوني مجلسي الشعب والشورى، بحيث تكون في النهاية مسؤولة بشكل كامل عن كافة المهام المتعلقة بأي انتخابات عامة تجري في مصر, بدءا من الإعلان عن موعدها وإعداد جداول الناخبين وتلقي طلبات الترشيح وإعلان كشوف المرشحين وإصدار قرارات تشكيل اللجان الانتخابية ومقارها ورؤسائها وأمنائها وقوة الحراسة لكل منها مرورا بتنظيم عملية التصويت وانتهاء بفرز الأصوات وإعلان النتائج. ويجب ألا تقتصر ولاية هيئة الانتخابات على صندوق الاقتراع فقط بل يجب أن تتعداها إلى محيط اللجنة الانتخابية بأكمله بما يؤمن وصول كافة الناخبين إلى مقر صندوق الانتخابات دون منع لمؤيدي مرشح معين من قبل قوات الأمن كما يحدث دائما, وهذا ما يقتضي وجود شرطة قضائية تابعة لهيئة الانتخابات لضمان تنفيذ ذلك. في هذه الحالة لن يكون هناك أي تخوف من إشراف دولي على الانتخابات, بل على العكس يمكن أن يكون الإشراف الدولي شهادة إضافية على نزاهة العملية الانتخابية, ولا يمكن هنا التعلل بمبدأ السيادة الوطنية لأن وجود مراقبين دوليين أصبح أمرا مقبولا في دول كبري عدة, بل وفي دول عربية وأفريقية, كما شارك مصريون في الرقابة على الانتخابات في العديد من الدول وآخرها فلسطين, وقبلت الحكومة المصرية بذلك دون أن تعتبره انتقاصا من سيادة تلك الدول. إلغاء كافة القوانين الاستثنائية وعلى رأسها قانون الطوارئ بما يضمن حرية الحركة والعمل أمام كافة القوى والأحزاب السياسية وضمان وصولها وتواصلها مع قواعدها الجماهيرية, وحرية إدارة حملاتها الانتخابية وحرية تسيير مظاهرات ومسيرات سلمية لعرض مطالبها بدون تضيق من جانب قوى الأمن وتحت ستار قانون الطوارئ, كما يجب ألا تمس حريات المواطنين وحقوقهم إلا طبقا للقانون العادي. عدم المغالاة في ضوابط الترشيح للرئاسة"مقترح تشكيل هيئة قضائية دائمة للانتخابات ذات مقر مستقل وميزانية سنوية مستقلة ومقومات مادية كاملة, تؤول إليها كل اختصاصات وزير الداخلية المنصوص عليها في قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانوني مجلسي الشعب والشورى "فيجب أن تكون هذه الضوابط لضمان جدية الترشيح فقط وليست مانعة له كما يتمنى الكثيرون, فالضوابط وإن كانت مطلوبة في حد ذاتها إلا أنه لا يمكن تصور أن تكون مرتبطة بسيطرة حزب بعينه كأن تكون عبارة عن توقيعات عدد معين من أعضاء المجالس النيابية والمحلية التي يسيطر عليها الحزب الوطني بمفرده. والبديل الأفضل هو أن ترتبط هذه الضوابط بعدد معين من التوقيعات من المواطنين أنفسهم, وهو تقليد معمول به في معظم الدول التي تجري فيها انتخابات رئاسية, فالنظام الأميركي على سبيل المثال يشترط حصول المرشح على موافقة 300 ألف مواطن من بين عدد السكان البالغ 280 مليونا, وفي مصر فإنه يمكن اشتراط حصول المرشح لانتخابات الرئاسة على تأييد 40 ألف مواطن مثلا من إجمالي عدد السكان. مع ضرورة استثناء مرشحي الأحزاب بصفة مطلقة من هذا الشرط, لأنه يكفي للجدية أن يمثل المرشح حزبا سياسيا شرعيا قائما بالفعل. تنمية ثقافة انتخابية جديدة: فمن الثقافة تبدأ كل المعالجات الممكنة لتحديث وتطوير وإصلاح الأبنية الفكرية والسياسية والسلوكية لأي مجتمع, ومن الثقافة تبدأ كل الإسهامات الجادة الهادفة إلى الدفع بالمجتمع السياسي نحو التحول الديمقراطي المنشود, ويظل السؤال حول الثقافة الانتخابية وإن كان جزءا من سؤال الثقافة السياسية –إلا أنه يبقي السؤال الأكثر إلحاحا من ناحية ارتباطه بالسلوك الإيجابي الفاعل للمواطن الفرد واشتباكه كذلك مع فكرة قبول الأخر كمنافس في الساحة أولا تمهيدا لقبول التغيير على مستوي النظام السياسي ككل.وهنا تتجاوز الثقافة الانتخابية معناها المباشر والمتمثل في حمل المواطن لبطاقة انتخابية وتوجهه إلي صناديق الاقتراع, إلى المعنى الأعمق -والذي لم يتوفر في أي من التجارب الانتخابية المصرية السابقة- والمتمثل في وجود كيان حقيقي من الوعي والمعرفة والاختيار الحر لدى الناخب بعيدا عن ترغيب أو ترهيب أي أطراف داخلة في العملية السياسية, وهذا ما يعني التحرر الكامل من كافة الضغوط السياسية والاقتصادية وحتي الاجتماعية عند إدلاء الناخب بصوته الذي لن يذهب في هذه الحالة أدراج الرياح، أو يسكن نفس التوابيت التي تسكنها أصوات الموتى الذين يقترعون لصالح الحزب الحاكم.ومثل هذه الثقافة الانتخابية لا تعني مجرد القبول بوجود الآخر المختلف فكريا وسياسيا وتنظيميا, بل تعني كذلك جرأة الدفاع عن حق الخصم في أن يمثل في الشارع السياسي وأن يعبر عن نفسه بحرية إعلامية كاملة. كما أن ذلك النوع من الثقافة هو الذي يعني تجسير العلاقة مع الخصوم وإحلال منطق التعايش الديمقراطي محل الصراع الاستبعادي الراهن لأنها ستكون ثقافة الوعي باستحالة إلغاء الآخر أو استئصاله, بل هي ثقافة إيجاد معنى جبهوي للنضال الديمقراطي المتحرر من جمود الأيديولوجيا نحو فضاء الاعتراف المتبادل بين الخصوم, بما يوفر في النهاية البيئة المناسبة الحاضنة للنمو الجنيني للديمقراطية التعددية المنشودة في مصر, والتي نأمل أن تمثل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة بداية عهدها الحقيقي الذي طال انتظارنا له. نائب مدير تحرير مجلة الديمقراطية الصادرة عن صحيفة الأهرام المصرية.المصدر:الجزيرة
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/A2031BD7-6309-43FB-A6C2-AEA4F9A192CF.htm
عاطف السعداوي الانتخابات ودلالات التحول الديمقراطي تعتبر الانتخابات من أهم المؤشرات الدالة على عمليات التحول إلى الديمقراطية, بل هي التعبير الرمزي الأهم عن ديمقراطية مجتمع ما وعن مدى نضج ثقافته السياسية, و بقدر نزاهة وتنافسية الانتخابات العامة بقدر ما تكون مصداقية عملية التحول إلى الديمقراطية, على اعتبار أن الانتخابات الحرة المباشرة التنافسية والنزيهة هي الوسيلة الأمثل لإعطاء رجل الشارع العادي حقه الأصيل في تحريك القرار السياسي وبالتالي إعطاءه دورا في صناعة تاريخه. وهذه الفكرة أو القناعة هي التي جعلت معظم المقولات التاريخية الخالدة التي نادت بالديمقراطية تختزلها في البعد الانتخابي, كمقولة "صوت واحد للشخص الواحد " أو مقولة "لا تمثيل بدون ضرائب" وهذه المقولات وغيرها تعتبر هي الخلاصات المجردة التي تعبر عن هذه القناعة. ولعل المراقب للمشهد السياسي المصري في الآونة الأخيرة يلمس مدى مصداقية هذه الفكرة واحتلالها لحيز واسع من فضاء الجدل السياسي في مصر، منذ القرار المفاجئ للرئيس مبارك في السادس والعشرين من فبراير/شباط الماضي، بطلب تعديل المادة 76 من الدستور والخاصة بطريقة اختيار رئيس الجمهورية، ليكون بالانتخاب العام المباشر بين أكثر من مرشح بدلا من طريقة الاستفتاء على شخص مرشح واحد, حيث أطلق هذا القرار قوى المجتمع المدني وحركات الرفض الاجتماعي من عقالها وحررها –ولو جزئيا –من جمودها الذي ظلت أسيرة له لفترة طويلة لافتقادها أي أمل بالإصلاح في ظل وجود نخبة الحكم الراهنة. ولكن ما إن بدا أن هناك ضوءا خافتا في نهاية النفق المعتم حتى تحركت التفاعلات السياسية والحزبية خالقة معها مناخا سياسيا جديدا يمتاز بعمليات كثيرة للتفاوض والمساومة والجدل السياسي بين فريقين أولهما يري أن هذه الخطوة هي نهاية الطريق وأنها "منتهى المراد من رب العباد" وأنها منحة من الحاكم تفضل بها على شعبه ولا يجوز معها سوى تقديم فروض الشكر والعرفان, بل حاول هذا الفريق تفريغ هذه الخطوة من مضمونها التنافسي والتعددي عبر المغالاة في اقتراح ضوابط معينة للترشيح لهذا المنصب, أو عبر اقتراح لجنة عليا شبه حكومية للإشراف على الانتخابات، وينحدر معظم هذا الفريق من الدوائر السياسية والفكرية المرتبطة بنخبة الحكم والحزب الوطني. وفريق ثان تمثله قوى وأحزاب المعارضة وحركات الرفض الاجتماعي والسياسي مدعوما بتأييد قطاعات جماهيرية واسعة، ويرى أن التحرك نحو تغيير طريقة اختيار رئيس الجمهورية وإن كان مطلوبا إلا أنه لا يزال تحركا محدودا وجزئيا, كما لم تخف على هذا الفريق الدوافع الكامنة وراء هذا التحرك وعلي رأسها الضغوط الخارجية القوية التي تعرض لها النظام, بما كشف في النهاية عن لحظة ضعف يمر بها النظام وكان لا بد من استغلالها, ومن هنا وجد هذا الفريق الفرصة سانحة لممارسة مزيد من الضغوط للحصول على مزيد من التنازلات في "الشأن الإصلاحي". وأيا كان الفريق المنتصر في النهاية فإن الحقيقة الوحيدة المؤكدة حتى الآن هي أن عجلة التغيير قد تحركت -وإن ببطء- ولن يستطيع أحد أن يوقفها, حتى لو ظلت بيروقراطية الدولة الأمنية وأدواتها القمعية هي المتحكمة في وتيرة التفاعل السياسي وفي معدل دوران عجلة التغيير, ففي لحظة معينة وعندما تكون الرغبة الشعبية في التغيير حقيقية وصادقة فلن تفلح الوسائل الأمنية في منعه, مهما أفرطت في استخدام القوة, لأن التغيير في هذه الحالة سيكون نابعا من إرادة الشعب وستكون الرغبة في الفعل المؤدي للتغير أقوي بكثير من القابلية للخوف أو إيثار السلامة, ولعل ما حدث في دول مثل قرقيزيا وإكوادور ومن قبلهما أوكرانيا وجورجيا خير دليل على ذلك. "المأمول من انتخابات 2005 أن تمثل نقطة بداية مثالية لعهد مصري جديد, أو ربما "جمهورية جديدة" قائمة على شرعية الديمقراطية بعد أن تم الانقلاب على شرعية المشروع القومي وانقضاء عهد شرعية الحرب وعدم إثبات شرعية الإنجاز قدرتها على تعبئة الجماهير "ومن هنا تكتسب الانتخابات المقبلة سواء الرئاسية أو التشريعية أهمية غير مسبوقة في تاريخ الحياة السياسية المعاصرة باعتبارها الأولى في هذا المناخ السياسي الجديد, كما أنها ستمثل أول اختبار جدي لمدي صدقية هذا المناخ أو زيفه, فالكل في انتظار ما سيسفر عنه هذا "المخاض الديمقراطي", هل سيسفر عن فأر صغير كما تعودنا, أم سيتمخض عن "صيد ثمين" كما نأمل؟ ولكن في كل الأحوال ستشهد الانتخابات القادمة ظاهرة جديدة وصحية، ألا وهي عودة السياسة إلى الحياة المصرية وفي القلب منها العملية الانتخابية, بعد عقود طويلة من نزع السياسة عن كافة التفاعلات المرتبطة بالعملية السياسية, بما جعل استبعاد الشارع السياسي حقيقة واقعة من حقائق السياسة المصرية المعاصرة. ففي كل الانتخابات السابقة كانت جميع الظواهر موجودة إلا السياسية: ظاهرة العنف والبلطجة التي راح ضحيتها العشرات, ظاهرة الرشاوى الانتخابية وشراء الأصوات, ظاهرة الانتماءات الأسرية والعشائرية المقيتة, ظاهرة غياب الأحزاب, ظاهرة ضعف المشاركة السياسية التى لم تتجاوز في أي من الانتخابات التي عرفتها مصر منذ التعددية نسبة الـ 50% (كانت في الانتخابات الأخيرة 25.2%) وتوج كل هذا بظاهرة التزوير واسع النطاق لإرادة الناخبين على الرغم من الإشراف القضائي المزعوم. وحدها ظلت السياسة بعيدة عن تلك الأجواء, بما جعل الانتخابات في نظر الكثيرين مجرد لعبة مفضوحة لا طائل من ورائها, وأشبه بالموالد الشعبية من حيث أن لها طابع الموسمية والظرفية دون أن تكون تقليدا سياسيا واعيا له تداعياته علي المسار التاريخي للأمة المصرية, أما الآن فيبدو أن السياسة مرشحة لكي تعود بقوة مع الانتخابات القادمة. والواقع أن المأمول من تلك الانتخابات يمكن أن يتجاوز ظاهرة عودة السياسة للعملية الانتخابية, حيث يمكن أن تمثل تلك الانتخابات نقطة بداية مثالية لعهد مصري جديد, أو ربما "جمهورية جديدة" قائمة على شرعية الديمقراطية بعد أن تم الانقلاب على شرعية المشروع القومي وانقضاء عهد شرعية الحرب وعدم إثبات شرعية الإنجاز قدرتها على تعبئة الجماهير, إذن ... تبقي فقط شرعية الديمقراطية التي يمكن أن تمثل الانتخابات المقبلة مدخلا لها لو أخذت فقط بأسباب النجاح، وهي أسباب لا أراها مستحيلة، بل لا تكاد تكون صعبة، كل ما في الأمر أنها أسباب تحتاج لتوفيرها إرادة ونية خالصة من جانب نخبة الحكم، يقابلها رغبة حقيقة وصادقة للتغيير من جانب الجماهير والقوى المعبرة عنها. وهذه الرغبة الصادقة وتلك النية الخالصة للتغيير يجب أن تترجم إلى مجموعة من الإجراءات والآليات التي يجب على نخبة الحكم اتخاذها، كما يجب على منظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة وقوى الرفض السياسي والاجتماعي التحالف و"الجهاد" للضغط في اتجاه تحقيقها باعتبارها الأسباب التي لاغني عنها, ليس فقط لنجاح الانتخابات المقبلة ولكن لدخول عصر الديمقراطية ومن أهمها: إعادة التوازن المفقود بين السلطات الثلاثفبدون اتخاذ خطوات جادة نحو إعادة التوازن بين السلطات الثلاث في مصر ستفتقد أي خطوات إصلاحية قيمتها, بل ربما تفقد العملية الانتخابية برمتها قيمتها, فخطوة تغيير طريقة اختيار رئيس الجمهورية رغم أهميتها فإنها تبدو قاصرة وعاجزة عن إحداث تغيير جذري في هيكل النظام الدستوري المصمم أساسا ليجعل رئيس الجمهورية محور النظام السياسي, وبالتالي فإن المشكلة تكمن أساسا في كمية وطبيعة الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية. "لابد من إعادة النظر في المواد المتعلقة بسلطات رئيس الجمهورية بما يضمن إعادة هيكلة السلطة في مصر لتقليص سلطات الرئيس وتحقيق مبدأ التوازن بين السلطات الثلاث "فمن بين 55 مادة في الدستور المصري تتضمن صلاحيات أو سلطات اختص رئيس الجمهورية بحوالي 35 صلاحية بما نسبته 63% من إجمالي السلطات والصلاحيات, بينما ترك للسلطة التشريعية بمجلسيها 14 صلاحية فقط بنسبة 25%, دون إغفال سيطرة رئيس الجمهورية واقعيا من خلال موقعيه الرئاسي والحزبي على السلطة التشريعية, وهو ما يعني سيطرة رئيس الجمهورية عمليا على 88% من إجمالي السلطات التي ينظمها الدستور. وبالتالي لابد من إعادة النظر في المواد المتعلقة بسلطات رئيس الجمهورية بما يضمن إعادة هيكلة السلطة في مصر لتقليص سلطات رئيس الجمهورية وتحقيق مبدأ التوازن بين السلطات الثلاث, مع هيمنة نسبية للسلطة التشريعية علي السلطة التنفيذية لتراقب أداءها وتحاسبها, مع صياغة قانون جديد للسلطة القضائية يضمن الاستقلال التام لها ماليا وإداريا, بعيدا عن التدخل المباشر في شؤونها من قبل السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية ووزير العدل. كما أنه يجب إعادة النظر في طريقة توزيع صلاحيات السلطة التنفيذية بحيث توزع بأوزان نسبية بين رئيس الجمهورية ونائبه المنتخب ومجلس الوزراء، علي أن تضمن في الدستور صلاحيات كل منهم بشكل واضح لا يسمح بتعدي أي منهم على اختصاصات الآخر. أخيرا يجب تعديل المادة 77 من الدستور بحيث تنص على ألا تزيد ولاية رئيس الجمهورية عن مدتين فقط, لأنه لا فائدة مرجوة من رئيس منتخب ولكنه مطلق الصلاحيات وباق بحكم الأمر الواقع إلي أن يشاء الله. صياغة ميثاق شرف بين الأحزاب السياسية"كما سخر التلفزيون ساعات طويلة وأفردت كل الصحف القومية صفحاتها لأحد المرشحين لانتخابات الرئاسة ليقول "كلمته للتاريخ" يجب أن تتاح نفس الفرصة لبقية المرشحين سواء أراد أحدهم أن يقول كلمته "للتاريخ" أو يقولها "للمستقبل""بحيث يتضمن مجموعة من المعايير والضوابط التي يجب الالتزام بها أثناء سير الانتخابات سواء الرئاسية أو التشريعية أو المحلية, ويجب أن يكون هذا الميثاق ملزما لجميع الأحزاب وليس مجرد وسيلة خداع جديدة يتبعها الحزب الوطني لإحكام سيطرته على مدخلات ومخرجات العملية الانتخابية, ومن هنا فإن أول ما يجب أن ينص عليه هذا الميثاق ضرورة الحياد الكامل لكافة أجهزة الدولة الإدارية والتنفيذية وموظفيها، وعدم تسخيرهم لخدمة لمرشحي الحزب الوطني وحده كما اعتيد في الانتخابات السابقة, أيضا يجب أن تكون وسائل الإعلام المملوكة للدولة متاحة أمام مرشحي كل القوى السياسية بشكل متساو وليست مجرد بوق للدعاية للحزب الوطني وحده. فمثلا كما سخر التلفزيون ساعات طويلة وأفردت كل الصحف القومية صفحاتها لأحد المرشحين لانتخابات الرئاسة ليقول "كلمته للتاريخ" يجب أن تتاح نفس الفرصة لبقية المرشحين سواء أراد أحدهم أن يقول كلمته "للتاريخ" أو يقولها " للمستقبل"!. ومن أهم ما يجب أن ينص عليه هذا الميثاق أيضا ضرورة احترام الأحزاب –والحزب الوطني بالتحديد- لرغبات الناخبين حتى النهاية, بما يعني ضرورة احتفاظ المرشح بصفته السياسية التي دخل بها الانتخابات حتى نهاية الفصل التشريعي, بحيث لا تكرر مأساة انتخابات مجلس الشعب عام 2000 عندما لجأ الحزب الوطني إلي ضم معظم المستقلين إليه تحت سلاح الترهيب والترغيب بعد أن حصل مرشحوه علي 174 مقعدا بنسبة 39% فقط من عدد مقاعد المجلس وهي نسبة لا توفر له أغلبية ولو بسيطة, فكان أن ارتفع عدد أعضائه بقدرة قادر إلي 385 عضوا بنسبة 85% ضمن بها السيطرة الكاملة والمعتادة على مجلس الشعب في استهتار واضح بإرادة الناخبين. كما يجب على كل حزب أن يستبق الانتخابات القادمة ويعقد مؤتمره العام لمراجعة لوائحه الداخلية لتغيير طريقة اختيار كافة مستوياته القيادية، لتكون بالانتخاب ولفترة محددة باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد لخلق قيادات حزبية قادرة على الوصول إلي الجماهير، سواء في انتخابات تشريعية أو رئاسية أو محلية أو نقابية أو غيرها. وأخيرا يجب أن يتضمن هذا الميثاق أمورا إجرائية من قبيل رفض التمويل الخارجي، ووضع سقف مالي معين للدعاية الانتخابية، وضرورة عدم استغلال المرشح لموقعه السياسي أو التنفيذي أثناء الانتخابات...إلخ. الإشراف القضائي الكامل على كافة الانتخابات وهنا يجب ألا يكون القضاء مجرد غطاء لتزوير الانتخابات وأداة لإضفاء شرعية وهمية عليها كما جري سابقا, وباعتراف القضاة أنفسهم أمام جمعيتهم العمومية بالإسكندرية مطلع أبريل/نيسان الماضي, وهذا ما يفترض أن يصر القضاة على موقفهم التاريخي والمشرف الرافض لتدخل السلطة التنفيذية في شؤونهم، والمطالب باستقلال تام عبر قانون جديد أعده القضاة أنفسهم. على أن يجري بعد ذلك تشكيل هيئة دائمة للانتخابات ذات مقر مستقل وميزانية سنوية مستقلة ومقومات مادية كاملة, ويمكن أن تشكل من رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا وعضوية رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس الدولة ورئيس نادي القضاة وعدد معين من رؤساء محاكم الاستئناف تختارهم الجمعية العمومية لنادي القضاة, علي أن تنقل تبعية الإدارة العامة للانتخابات من وزارة الداخلية إلي تلك الهيئة وتؤول إليها كل اختصاصات وزير الداخلية المنصوص عليها في قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانوني مجلسي الشعب والشورى، بحيث تكون في النهاية مسؤولة بشكل كامل عن كافة المهام المتعلقة بأي انتخابات عامة تجري في مصر, بدءا من الإعلان عن موعدها وإعداد جداول الناخبين وتلقي طلبات الترشيح وإعلان كشوف المرشحين وإصدار قرارات تشكيل اللجان الانتخابية ومقارها ورؤسائها وأمنائها وقوة الحراسة لكل منها مرورا بتنظيم عملية التصويت وانتهاء بفرز الأصوات وإعلان النتائج. ويجب ألا تقتصر ولاية هيئة الانتخابات على صندوق الاقتراع فقط بل يجب أن تتعداها إلى محيط اللجنة الانتخابية بأكمله بما يؤمن وصول كافة الناخبين إلى مقر صندوق الانتخابات دون منع لمؤيدي مرشح معين من قبل قوات الأمن كما يحدث دائما, وهذا ما يقتضي وجود شرطة قضائية تابعة لهيئة الانتخابات لضمان تنفيذ ذلك. في هذه الحالة لن يكون هناك أي تخوف من إشراف دولي على الانتخابات, بل على العكس يمكن أن يكون الإشراف الدولي شهادة إضافية على نزاهة العملية الانتخابية, ولا يمكن هنا التعلل بمبدأ السيادة الوطنية لأن وجود مراقبين دوليين أصبح أمرا مقبولا في دول كبري عدة, بل وفي دول عربية وأفريقية, كما شارك مصريون في الرقابة على الانتخابات في العديد من الدول وآخرها فلسطين, وقبلت الحكومة المصرية بذلك دون أن تعتبره انتقاصا من سيادة تلك الدول. إلغاء كافة القوانين الاستثنائية وعلى رأسها قانون الطوارئ بما يضمن حرية الحركة والعمل أمام كافة القوى والأحزاب السياسية وضمان وصولها وتواصلها مع قواعدها الجماهيرية, وحرية إدارة حملاتها الانتخابية وحرية تسيير مظاهرات ومسيرات سلمية لعرض مطالبها بدون تضيق من جانب قوى الأمن وتحت ستار قانون الطوارئ, كما يجب ألا تمس حريات المواطنين وحقوقهم إلا طبقا للقانون العادي. عدم المغالاة في ضوابط الترشيح للرئاسة"مقترح تشكيل هيئة قضائية دائمة للانتخابات ذات مقر مستقل وميزانية سنوية مستقلة ومقومات مادية كاملة, تؤول إليها كل اختصاصات وزير الداخلية المنصوص عليها في قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانوني مجلسي الشعب والشورى "فيجب أن تكون هذه الضوابط لضمان جدية الترشيح فقط وليست مانعة له كما يتمنى الكثيرون, فالضوابط وإن كانت مطلوبة في حد ذاتها إلا أنه لا يمكن تصور أن تكون مرتبطة بسيطرة حزب بعينه كأن تكون عبارة عن توقيعات عدد معين من أعضاء المجالس النيابية والمحلية التي يسيطر عليها الحزب الوطني بمفرده. والبديل الأفضل هو أن ترتبط هذه الضوابط بعدد معين من التوقيعات من المواطنين أنفسهم, وهو تقليد معمول به في معظم الدول التي تجري فيها انتخابات رئاسية, فالنظام الأميركي على سبيل المثال يشترط حصول المرشح على موافقة 300 ألف مواطن من بين عدد السكان البالغ 280 مليونا, وفي مصر فإنه يمكن اشتراط حصول المرشح لانتخابات الرئاسة على تأييد 40 ألف مواطن مثلا من إجمالي عدد السكان. مع ضرورة استثناء مرشحي الأحزاب بصفة مطلقة من هذا الشرط, لأنه يكفي للجدية أن يمثل المرشح حزبا سياسيا شرعيا قائما بالفعل. تنمية ثقافة انتخابية جديدة: فمن الثقافة تبدأ كل المعالجات الممكنة لتحديث وتطوير وإصلاح الأبنية الفكرية والسياسية والسلوكية لأي مجتمع, ومن الثقافة تبدأ كل الإسهامات الجادة الهادفة إلى الدفع بالمجتمع السياسي نحو التحول الديمقراطي المنشود, ويظل السؤال حول الثقافة الانتخابية وإن كان جزءا من سؤال الثقافة السياسية –إلا أنه يبقي السؤال الأكثر إلحاحا من ناحية ارتباطه بالسلوك الإيجابي الفاعل للمواطن الفرد واشتباكه كذلك مع فكرة قبول الأخر كمنافس في الساحة أولا تمهيدا لقبول التغيير على مستوي النظام السياسي ككل.وهنا تتجاوز الثقافة الانتخابية معناها المباشر والمتمثل في حمل المواطن لبطاقة انتخابية وتوجهه إلي صناديق الاقتراع, إلى المعنى الأعمق -والذي لم يتوفر في أي من التجارب الانتخابية المصرية السابقة- والمتمثل في وجود كيان حقيقي من الوعي والمعرفة والاختيار الحر لدى الناخب بعيدا عن ترغيب أو ترهيب أي أطراف داخلة في العملية السياسية, وهذا ما يعني التحرر الكامل من كافة الضغوط السياسية والاقتصادية وحتي الاجتماعية عند إدلاء الناخب بصوته الذي لن يذهب في هذه الحالة أدراج الرياح، أو يسكن نفس التوابيت التي تسكنها أصوات الموتى الذين يقترعون لصالح الحزب الحاكم.ومثل هذه الثقافة الانتخابية لا تعني مجرد القبول بوجود الآخر المختلف فكريا وسياسيا وتنظيميا, بل تعني كذلك جرأة الدفاع عن حق الخصم في أن يمثل في الشارع السياسي وأن يعبر عن نفسه بحرية إعلامية كاملة. كما أن ذلك النوع من الثقافة هو الذي يعني تجسير العلاقة مع الخصوم وإحلال منطق التعايش الديمقراطي محل الصراع الاستبعادي الراهن لأنها ستكون ثقافة الوعي باستحالة إلغاء الآخر أو استئصاله, بل هي ثقافة إيجاد معنى جبهوي للنضال الديمقراطي المتحرر من جمود الأيديولوجيا نحو فضاء الاعتراف المتبادل بين الخصوم, بما يوفر في النهاية البيئة المناسبة الحاضنة للنمو الجنيني للديمقراطية التعددية المنشودة في مصر, والتي نأمل أن تمثل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة بداية عهدها الحقيقي الذي طال انتظارنا له. نائب مدير تحرير مجلة الديمقراطية الصادرة عن صحيفة الأهرام المصرية.المصدر:الجزيرة